أخبار

الاتصالات المتنقلة في مصر: مواجهة التحديات والإطلاق المرتقب للجيل الخامس

بقلم كريم يايسي، كبير المحلّلين في "أوكلا"

يُعدّ سوق الاتصالات المتنقلة في مصر واحداً من أكبر أسواق منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وأكثرها حيويةً. بتعداد سكاني يتجاوز 100 مليون نسمة، يشهد السوق انتشاراً واسعاً للهواتف المحمولة وتغطية شبكية واسعة النطاق. ومع ذلك، يواجه العديد من التحديات التي تُهدّد استدامة نموه في ظل تباطؤ الإيرادات واستقرار عدد المشتركين. ويشكّل الإطلاق المرتقب لخدمات الجيل الخامس فرصة بارزة لإنعاش السوق وتحقيق مكاسب اقتصادية كبيرة.

ويُعتبر سوق الهواتف المحمولة في مصر الأكبر في شمال أفريقيا، حيث بلغ عدد المشتركين في خدمات الهاتف المحمول 116 مليون مستخدم في بداية العام 2025، أي ما يعادل نسبة انتشار تبلغ 99% حيث يحمل العديد من المستخدمين أكثر من شريحة اتصال واحدة.

وساهمت الاستثمارات الضخمة من جانب أبرز مزوّدي خدمات الهاتف المحمول في ضمان وصولٍ شبه شامل إلى خدمات الاتصالات المتنقلة. كما أولت الحكومة اهتماماً كبيراً بالبنية التحتية الرقمية لسد الفجوة الرقمية بين المناطق الحضرية والريفية من خلال مبادرات مثل مشروع “حياة كريمة” وغيره.

ورغم هذه المعطيات، لا تزال هناك العديد من الإمكانيات لتحسين أداء شبكات الهاتف المحمول في مصر؛ فوفقاً لمؤشر أوكلا العالمي لسرعة الإنترنت، احتلت مصر المرتبة 85 عالمياً في مارس 2025، بمتوسط ​​سرعة تنزيل للهواتف المحمولة بلغ 28.96 ميجابت في الثانية في الربع الأول من العام 2025.

ويضع هذا الترتيب مصر خلف بعض دول شمال أفريقيا المجاورة مثل المغرب الذي احتل المركز 61 بسرعة 47.65 ميجابت في الثانية، وتونس التي احتلت المركز 44 بسرعة 52.31 ميجابت في الثانية. وتمكنت تونس أيضاً من التقدم 39 مركزاً في التصنيف العالمي بين يناير ومارس 2025 منذ إطلاق خدمات الجيل الخامس، لتتصدر بذلك دول شمال إفريقيا في هذا المجال.

متوسط ​​سرعة التنزيل عبر الهاتف المحمول في مصر والمغرب وتونس

المصدر: Speedtest Intelligence® | الربع الأول من العام 2024 – الربع الأول من العام 2025

ومع وصول السوق إلى مستويات التشبُّع، استقر نمو المشتركين وتباطأت وتيرة زيادة الإيرادات. وحتى مع استمرار ارتفاع الطلب على خدمات الإنترنت عبر الهاتف المحمول، فإن تحقيق مستويات ربحية عالية من باقات البيانات لا يرقى إلى مستوى التوقعات نتيجة لعدم قدرة الشبكات الحالية على دعم الخدمات المتقدمة التي تتطلب سرعات أعلى وزمن استجابة أقل.

ويعمل مشغلو الاتصالات أيضاً في مناخٍ اقتصادي يتسم بالتحديات التي تشمل ارتفاع أسعار الفائدة وتفاقم معدلات التضخم، بما يؤدي إلى زيادة التكاليف التشغيلية وتآكل هوامش الربح. وفي مواجهة هذه التحديات، بدأ المشغلين بتعديل أسعار خدماتهم للمرة الأولى منذ العام 2017. ومن شأن ارتفاع تكاليف باقات الإنترنت وخدمات الهاتف المحمول أن يؤدي إلى تغيّر في سلوك المستهلكين وانخفاض الإنفاق على خدمات الاتصالات، مما قد يحدّ من الطلب على هذه الخدمات، ويؤثر على نمو الإيرادات.

وفي ظل هذه التحديات، يمثّل إطلاق خدمات الجيل الخامس فرصةً كبيرة لتحقيق العديد من الفوائد، وأبرزها:

من المتوقع أن تُحدث تقنية الجيل الخامس (5G) تحولاً جوهرياً في سوق الهواتف المحمولة في مصر؛ بفضل ما تتيحه من سرعات تحميل أعلى، وزمن استجابة أقل، واستقرار أكبر في الاتصال. ومن شأن هذه التحسينات أن تعالج تحديات مثل بطء سرعات البيانات وتفاوت التغطية في أنحاء البلاد، مما يرفع جودة الخدمة ويُعزّز رضا العملاء، ويستدعي اهتمام المستخدمين ويشجعهم على زيادة الإنفاق على خدمات الهاتف المحمول.

تُعدّ شبكات الجيل الخامس (5G) أكثر كفاءةً من حيث استهلاك الموارد، مما قد يسهم في تقليل التكاليف التشغيلية على المدى الطويل. ويمكن أن تساهم هذه الوفورات في تخفيف الأعباء المالية على المُشغِّلين، مما ينعكس بشكلٍ إيجابي على الأسعار بما يشمل المستهلكين. ويمثل الجمع بين انخفاض التكاليف وتحسّن جودة الاتصال حافزاً إضافياً للمستهلكين الذين تشكل الأسعار هاجساً لهم، للاستمرار في استخدام خدمات الهاتف المحمول، واستخدامها بشكلٍ أوسع.

من المرتقب أن تفتح تقنية (5G) آفاقاً جديدة للإيرادات أمام مشغلي الاتصالات في مصر، من خلال تعزيز فرص تحقيق العوائد من البيانات؛ إذ تتيح هذه التقنية توسيع باقة الخدمات لتشمل مجالات لم تكن مستغلة بشكل كافٍ سابقاً، مثل الألعاب الإلكترونية عبر الهاتف وبث الفيديوهات بجودة عالية. ويعود هذا التحوّل بالنفع على المشغلين عبر تنويع مصادر الدخل، ويساهم في تحقيق مكاسب اقتصادية أوسع؛ كما يُمكّن تحسين الاتصال ضمن قطاعاتٍ حيوية، مثل الرعاية الصحية والتعليم و مبادرات المدن الذكية، ما يعزز مساعي التحديث الاقتصادي والتحول الرقمي الشامل.

وفي العام 2024، حصل مشغلو الهواتف المتحركة في مصر على تراخيص تشغيل شبكات الجيل الخامس، وبدأت التجارب التقنية منذ ذلك الحين، مع خطط لإطلاقها تجارياً على مستوى الدولة خلال عام 2025. وتشير الجاهزية التشغيلية للمشغلين إلى إمكانية تنفيذ الانتقال نحو الجيل الخامس بسلاسة نسبية. وسيُسهم دمج خدمات الجيل الخامس في استعادة ثقة العملاء وزيادة زخم السوق، خاصة مع استمرار شركات الاتصالات في تحديث البنية التحتية لشبكتها.

وإلى جانب تحسين جودة الخدمة وتوسيع التغطية، يمكن لتقنية الجيل الخامس أن ترفع من ترتيب مصر في مؤشرات “النطاق العريض المتنقّل” عالمياً. ومن خلال تقليص الفجوة مع دول الجوار مثل المغرب وتونس، ستتمكن مصر من تعزيز موقعها التنافسي في الاقتصاد الرقمي العالمي. ويُعدّ هذا التقدم ركيزة أساسية ليس فقط لتطوير قطاع الاتصالات، بل أيضاً لترسيخ مكانة البلاد كمركز إقليمي للابتكار والتقدم التكنولوجي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.