ارتفاع قيمة عمليات الدمج والاستحواذ إلى أكثر من 3 تريليونات دولار أمريكي في العام 2018
وفقاً للنسخة الثالثة من تقرير “توقعات المعاملات العالمية” الصادر عن شركة المحاماة العالمية “بيكر مكنزي”، أن هناك العديد من العوامل المستجدة التي سيكون لها أثر حاسم في تسريع وتيرة الصفقات على النطاق العالمي في العام 2018، ومنها تراجع حدة المخاطر الاقتصادية والسياسية الرئيسية وظهور القوى المحركة الإيجابية لصفقات الاقتصاد الكلي.
كان عام 2017 فترة تخوف بالنسبة لصانعي الصفقات العالميين، وفي حين كان من المؤكد بأن هناك تباطؤ اقتصادي، إلا أنه لم يصل إلى حافة الهاوية خلافاً لما توقعه البعض. وفي أعقاب الزخم المكتسب الذي استجد في النصف الثاني من عام 2017، يتوقع تقرير “توقعات المعاملات العالمية”، الذي تم إعداده بالتعاون مع “أوكسفورد إيكونوميكس”، بأن يشهد العام 2018 نشوء ذروة دورية للعديد من محركات صفقات الاقتصاد الكلي والصفقات المالية، وسيشهد العام 2018 أعلى نقطة في قمة دورة تلك الصفقات لأكبر مراكز للصفقات في العالم.
ويقوم التقرير بتسليط الضوء كذلك على سبب تنامي الشعور بالثقة لدى المستثمرين في العالم مع اقتراب العام 2018 وتحسن معنوياتهم وتزايد إقبالهم، متأثرين بعدد من الاتجاهات الإيجابية، مثل التجارة العالمية والنمو الاقتصادي الأكثر ازدهاراً، فضلاً عن تحسن تقييم الأسهم والتوقعات المتواترة بانخفاض تكلفة التمويل في الأسواق الناشئة.
وقال السيد “بول رولينسون”، رئيس مجلس الإدارة العالمي لشركة “بيكر مكنزي”: “بعد أن سادت هناك بعض العقبات والتحديات البسيطة التي عكّرت صفو الأداء الاقتصادي في العام 2017، تتراءى لدينا اليوم توقعات أكثر تفاؤلاً إزاء الاقتصاد العالمي وأنشطة الصفقات في العام 2018، طالما لن يكون هناك مزيد من القيود على التجارة الحرة العالمية. نتوقع حدوث انتعاش في صفقات الدمج والاستحواذ وأنشطة الاكتتاب العام، نظراً لأنه سيتنامى لدى صانعي الصفقات والمستثمرين قدر أكبر من الثقة في تصورات الأعمال ذات الصلة بأهداف الاستحواذ والشركات المدرجة حديثاً.” وأضاف: “ومع ذلك، لا يمكن اعتبار هذا النوع من الصفقات على أنها محسومة، خصوصاً وأن خروج بريطانيا الصعب من مظلة الاتحاد الأوروبي وانهيار اتفاقية التجارة الحرة لأمريكا الشمالية “نافتا” على حد سواء لا تزال تشكل تهديداً حقيقياً وماثلاً. وبالتالي، سيتطلب الأمر من الشركات الاستمرار في التفكير جدياً بوضع إطار عمل للتجارة والاستثمار الحر.”
توقعات عمليات الدمج والاستحواذ
أشارت توقعات “بيكر مكنزي” السابقة التي صدرت في يناير 2017 إلى وتيرة أداء ثابت في سوق صفقات الدمج والاستحواذ لهذا العام مع انخفاض طفيف في قيم صفقات الدمج والاستحواذ العالمية من مبلغ 2,8 تريليون دولار أمريكي في عام 2016 إلى مبلغ 2,5 تريليون دولار أمريكي في العام 2017.
وأشار السيد “مايكل دي فرانكو”، الرئيس العالمي لصفقات الدمج والاستحواذ في “بيكر مكنزي” بالقول: “لقد سارت الأمور في العام 2017 كما توقعنا، وكان هناك عدد من التطورات الإيجابية في الاقتصاد العالمي التي أدت بارتفاع قيم صفقات الدمج والاستحواذ العالمية في العام 2018، من مبلغ 3 تريليونات دولار أمريكي إلى 3,2 تريليون دولار أمريكي، وهو ما يمثل ثالث أعلى قيمة صفقة سنوية منذ العام 2001 وثاني أعلى قيمة صفقة سنوية منذ الأزمة المالية في العام 2008. ”
ومن جانبه اضاف السيد “ويل سيڤرايت”، الشريك بقسم الشركات وعمليات الدمج والاستحواذ في “بيكر مكنزي. حبيب الملا” في دولة الإمارات العربية: “لا يزال المستثمرون في الشرق الأوسط بنجذبون لدولة الإمارات كونها تتمتع بتنوع السكان ونمو الناتج المحلي الإجمالي بالإضافة لدورها كمركز للأعمال في المنطقة والى أفريقيا، ويبدو أنها تكيفت مع الرياح المعاكسة التي شهدها إقليميا في عام 2017.” وأضاف: “قد حققت أنشطة الدمج والاستحواذ نموا جيدا هذا العام ومن المرجح أن تظل عند مستويات مماثلة في 2018 مع تحسن أسعار النفط وتنامي حالة عدم الاستقرار الإقليمي من الجهة الأخرى. ولحسن الحظ، يبدو أن المستثمرين في نهاية المطاف أكثر تأثرا بإتخاذ قرارات استراتيجية على المدى الطويل فضلاً عن اعتبارات اقتصادية على المدى القصير”.
وإلى جانب التطورات الاقتصادية الإيجابية، هناك عدد من القوى الدافعة الاستراتيجية الرئيسية التي ستساعد في زيادة أنشطة الدمج والاستحواذ في العام 2018، ومن ضمنها: البحث عن فرص النمو والعائد واللجوء إلى الاتحاد لتأسيس الائتلافات المشتركة وتوظيف رأس المال غير المستثمر وتبني عمليات الدمج والاستحواذ لدفع عجلة تغيير نمط إنجاز الأعمال.
ووفقا للتقرير، هناك في المقابل مجموعة من العوامل التي ستبطئ وتيرة نشاط الدمج والاستحواذ من العام 2019 فصاعداً، وخاصة في الأسواق المتقدمة، بما فيها، ارتفاع أسعار الفائدة والتراجع الدوري في نمو التجارة العالمية والاستثمار والموجة التصحيحية في أسعار الأسهم لتعود مجدداً إلى قيمها الأساسية. ويتوقع التقرير بأن تنخفض قيم صفقات الدمج والاستحواذ إلى 2,9 تريليون دولار أمريكي في العام 2019 وإلى 2,4 تريليون دولار أمريكي في العام 2020.
توقعات أنشطة الاكتتاب العام
وفي سوق الاكتتاب العام، يتوقع التقرير ارتفاع قيم تلك العمليات من 187 مليار دولار أمريكي في عام 2017 لتصل إلى ذروتها الدورية البالغة 290 مليار دولار أمريكي في عام 2018، وهو رقم قريب من الرقم القياسي. وھذا أعلی بقليل من الذروة الدوریة السابقة البالغة 276 ملیار دولار أمریکي في العام 2014، ولكنه لا یزال أقل من مبلغ 300 ملیار دولار أمريكي الذي تم جمعه خلال الذروة السابقة في عام 2010. ومع ذلك، فإن التقرير لم يدرج صفقة طرح أرامکو السعودیة للاكتتاب العام بسبب حالة عدم الیقین بشأن المبالغ التي سيتم جمعها من هذا الطرح العام وتوقيتها. وفي حال تنفيذ الصفقة في العام 2018، فسيكون عاماً قياسياً لتسجيل أكبر صفقة للاكتتاب العام من حيث القيمة.
وقال “كوين فانهايرنتس”، الرئيس العالمي لأسواق المالية في “بيكر مكنزي”: “كما توقعنا في تقريرنا الأخير، حققت سوق الاكتتابات العامة انتعاشاً في عام 2017 حتى قبل بلوغ قمة دورة صفقات الدمج والاستحواذ. وعلى الصعيد العالمي، ارتفع حجم الاكتتابات العامة المحلية إلى 145 مليار دولار أمريكي في عام 2017، بعد أن كان 92 مليار دولار أمريكي في عام 2016، وسوف يواصل نشاط الاكتتابات العامة ارتفاعه متخطياً حاجز 220 مليار دولار أمريكي في عام 2018.” وخلص إلى القول: “ومع ذلك، في موازاة ارتفاع تقييمات الأسهم، فإن تكاليف الاقتراض ترتفع أيضاً، ومن المتوقع ان تنخفض قيمة عائدات الاكتتابات العامة المحلية على مدى السنوات اللاحقة.”
ومن جانبه، صرح زاهي يونس، الشريك بقسم الشركات والأسواق المالية في مكتب الرياض التابع لشركة “بيكر مكنزي”: من المحتمل أن تؤدي الإصلاحات الاقتصادية في الشرق الأوسط وخطط الخصخصة في الدول مثل المملكة العربية السعودية ومصر إلى تحقيق مستوى كبير من نشاط الاكتتاب العام في عام 2018. وبصرف النظر عن النشاط المرتبط بالحكومة، فإن خط الاكتتاب العام أيضا يبدو قوياً بالنسبة لتلك الشركات التي تنتظر فرص أفضل لتحقيق استراتيجيات الخروج أو التخطيط للمستقبل.”
على غرار أنشطة الدمج والاستحواذ، هناك مجموعة من العوامل التي ستبطئ وتيرة عمليات الاكتتاب العام من العام 2019 فصاعداً، ويتوقع التقرير انخفاض قيم عمليات الاكتتاب العام إلى 274 مليار دولار أمريكي في 2019 وإلى 187 مليار دولار أمريكي في العام 2020.
توقعات أداء القطاعات
حققت صفقات الدمج والاستحواذ نمواً متسارعاً في قطاعات الخدمات الاستهلاكية والطاقة والمواد الأساسية في عام 2017، مدعومة بعدد من الصفقات الهائلة. وفي ظل توقعات باحتمال زيادة الإنفاق الاستهلاكي العالمي في عام 2018، يتوقع التقرير إبرام المزيد من الصفقات في قطاع الخدمات الاستهلاكية في عام 2018، ليصل إلى 633 مليار دولار أمريكي، إلى جانب التمويل الذي يتوقع أن يصل إلى 616 مليار دولار أمريكي.
على الرغم من ضعف أدائها خلال العام 2017، تحتل قطاعات الصناعات الدوائية والرعاية الصحية مستويات أعلى من حيث الصفقات، وذلك بسبب الاتجاهات طويلة الأمد مثل الشيخوخة والتوزع الديموغرافي. كما انخفضت الصفقات في قطاع التكنولوجيا والاتصالات في عام 2017، إلا أن الاتجاهات العديدة لدمج التكنولوجيا الجديدة في مختلف القطاعات، فضلاً عن الاستثمار النشط في شركات التكنولوجيا من قبل الأسواق الناشئة مثل الصين والمملكة العربية السعودية، تشير إلى أن هناك ارتفاع وشيك في قيم الصفقات على مدى العامين القادمين.
وأضاف السيد “دي فرانكو” بالقول: “إن الانتشار الهائل للتكنولوجيات الناشئة في مختلف القطاعات، بما في ذلك التقنيات الغذائية والتقنيات المالية وقطاع السيارات، سيشكل القوة الدافعة لصفقات الدمج والاستحواذ، حيث نتوقع أن نشهد المزيد من الصفقات الشاملة لعدة قطاعات والتي تدخل التكنولوجيا كعنصر أساسي فيها على مدى العامين المقبلين.”
ومن المتوقع كذلك أن يساهم قطاع التكنولوجيا والاتصالات في تحفيز أنشطة الاكتتابات العامة فى عام 2018، وذلك بفضل جهود الحكومة الصينية الرامية الى تشجيع شركات التكنولوجيا على التحول إلى شركات مساهمة عامة. وفي ظل الحفاظ على قوة الإنفاق الأسري على مستوى العالم، فينبغي لشركات السلع والخدمات الاستهلاكية أيضا الاستفادة من ظروف السوق المواتية والإيجابية.
توقعات أداء الأقاليم
من المتوقع أن تسجل أمريكا الشمالية وأوروبا ذروة صفقات الدمج والاستحواذ والاكتتاب العام في عام 2018. ومن المرتقب أن يصل نشاط الدمج والاستحواذ في أمريكا الشمالية إلى 1,5 تريليون دولار أمريكي، بزيادة قدرها 15 في المائة عن عام 2017، فيما يتوقع أن تبقى عمليات الاكتتابات العامة المحلية عند مستوى مرتفع في كافة الأوقات لتبلغ 78 مليار دولار أمريكي في العام 2018، بزيادة 77 في المائة مقارنة بالعام 2017. ويتوقع كذلك أن تصل أنشطة الدمج والاستحواذ في أوروبا إلى 856 مليار دولار أمريكي، بزيادة 34 في المائة مقارنة بالعام 2017، فيما ستصل الاكتتابات العامة المحلية إلى 60 مليار دولار أمريكي في العام 2018، بزيادة 58 في المائة مقارنة بالعام 2017.
من المتوقع أن تسجل منطقة آسيا والمحيط الهادئ وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط وأفريقيا ذروة صفقات الدمج والاستحواذ والاكتتاب العام في عام 2019. ومن المرتقب أن يصل نشاط الدمج والاستحواذ في منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى ذروته عند 754 مليار دولار أمريكي والاكتتاب العام المحلي عند 82 مليار دولار أمريكي في عام 2019. ويتوقع أن تصل أنشطة الدمج والاستحواذ ذورتها في أمريكا اللاتينية عند 134 مليار دولار أمريكي، والاكتتابات العامة المحلية عند 7,5 مليار دولار أمريكي في عام 2019. كما يتوقع أن تصل صفقات الدمج والاستحواذ في الشرق الأوسط وأفريقيا إلى ذروتها عند 41 مليار دولار أمريكي والاكتتابات العامة المحلية عند 7 مليارات دولار أمريكي في العام 2019.